تعريف الحكم الراشد
I- مفهوم الحكم الراشد:
وجدنا أن هناك تباين في انتساب أصل مصطلح الحكم إلا أن هناكتقارب كبير في تعريفه و نورد هذه التعاريف فيما يلي:
) و بناء على أساس هذاالتعريف، ليس هناك شك أو اختلاف حول الأصل الفرنسي للكلمة
- كلمة الحاكمية أصلها إنجليزي فهو مصطلح قديم، أعيداستعماله من قبل البنك الدولي في منتصف الثمانينات حيث أصبح من الإهتمامات الكبرىفي الخطابات السياسية و خاصة في معاجم تحاليل التنمية، و يمكن شرحه بأنه " طريقةتسيير سياسة، أعمال و شؤون الدولة".
كما أنهذا المصطلح فرض لتحديد مجموعة من الشوط السياسية التي من خلالها وضعت في حيزالتنفيذ المخططات التي تكتسب شرعية للعمل السياسي وفي نفس الوقت العلاقات معالإدارة و مع القطب المسير و بقية المجتمع.
- يقصد بالحاكمية "Gouvernance" أسلوب وطريقة الحكم والقيادة، تسيير شؤون منظمة قد تكون دولة، مجموعة من الدول، منطقة، مجموعات محلية،مؤسسات عمومية أو خاصة. فالحاكمية ترتكز على أشكال التنسيق، التشاور، المشاركة والشفافية في القرار.
فهي تفض الشراكةللفاعلين و تقارب المصالح.
إن مفهومالحاكمية يطرح ضمن إشكالية واسعة من الفعالية و النجاعة في العمل العمومي
" L’action Publique "و تهتم بالعلاقة بين السلطة والحكم.
فمفهوم الحاكمية يرتكز على ثلاث أسسرئيسية:
1- الأساس الأول يتعلق بوجود أزمةفي طريقة الحكم (Crise De Gouvernabilité) فقدان مركزية هيأة الدولة و ضعف الفعاليةو النجاعة في الفعل أو العمل العمومي.
2-يظهر أن هذه الأزمة تعكس فشل أو ضعف الأشكال التقليدية في العملالعمومي.
3- الأساس الثالث يتعلق بظهور شكلجديد للحكم أكثر مواءمة للمعطيات الحالية.
و دائما في دور المحفز صندوق النقد الدولي و البنك الدولييدافعان اليوم على مبادئ الحكم الراشد كأساس للسياسات الاقتصادية، و يعتبر الحكمالراشد ضمانا لتوفير الشروط الملائمة للحصول على نمو هام يستفيد منه المحتاجينويضمن التطور الاجتماعي للبلدان ذات الدخل المنخفض.
الحكم الراشد لا يمكن أن يكون إلا في كنف السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي و ترقية حقوق الإنسان و بسط قوة القانون.
II- معايير الحكم الراشد:
لا سبيل لإرساء الحكم الراشدإلا بـ:
-إقامة دولة الحقوالقانون.
-ترسيخ الديمقراطيةالحقة.
-التعدديةالسياسية.
-المراقبة الشعبية التي تتولاهامجالس منتخبة بشكل ديمقراطي (البرلمان).
-الشفافية في تسيير شؤون الدولة.
-المحاسبةالتي تقوم من خلال بناء سلطة قضائية قوية.
-حرية التعبير وحرية الرأي تقوم بها وسائل الإعلام من خلالحرية الاطلاع و الاستقصاء و التبليغ.
III- الفساد الإداري و السياسي أهم معوقات التنمية في الدولالنامية:
برغم تعدد معوقات التنمية فيالبلدان النامية إلا أن قضية الفساد الإداري و السياسي تشغل موقعا من مواقع الصدارةبما يحتم ضرورة مواجهتها للحد من آثارها السلبية المختلفة على المسار التنموي. ولعل مما يجب التنويه إليه أن السنوات الأخيرة قد شهدت اهتماما متزايدا بقضية الفسادو ذلك ما ظهر من خلال مناقشات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي و تقاريرالتنمية الدولية هذا إلى جانب جهود منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية في هذاالمجال.
كما يمكن تصنيف الفساد إلى ثلاثأقسام رئيسية:
1- عرضي.
2- مؤسسي.
3- منظم.
و عليه يمكن القول أن للفساد أشكالاكثيرة، فقد يكون فرديا أو مؤسسيا أو منظما، و قد يكون مؤقتا أو في مؤسسة معينة أوقطاع معين دون غيره. وأن أخطر هذه الأنواع هو الفساد المنظم حين يتخلل الفسادالمجتمع كاملا و يصبح ظاهرة يعاني منها هذا المجتمع.
تتفق آراء المحللين على أن الفساد ينشأ و يترعرع فيالمجتمعات التي تتصف بما يلي:
1- ضعفالمنافسة السياسية.
2- نمو اقتصادي منخفضوغير منظم.
3- ضعف المجتمع المدني و سيادةالسياسة القمعية.
4- غياب الآليات والمؤسسات التي تتعامل مع الفساد.
و ترجعالنظرية الاقتصادية الفساد إلى البحث عن الريع، و أما علماء السياسة فقد تباينتوجهات نظرهم، فمنهم من يرى أن الفساد دالة لنقص المؤسسات السياسية الدائمة و ضعف وتخلف المجتمع المدني.
و هناك فئة منالسيـاسيين ترى أن الفساد وسيلة للمحافظة على هيـاكل القوى القائمة الفاسدة و نظمالسيطـرة
السياسية.
وللفساد آثار وخيمة علىالمجتمع بكامله لهذا أصبح القضاء على الفساد الإداري و السياسي و اقتصادي إحدىدعائم الحكم الراشد.
و يبدو أن هناك اتفاقحول مجموعة من الشروط الواجب توفرها كشروط سياسية للتنمية و التي تتمثل فيما يلي:
1- أهمية تمتع النظام بشرعية تستند إلىالقبول الشعبي وفاعلية الأداء و هو ما تفتقر إليه كثير من دول العالم الثالث، بمايمكن أن يعكس مظهرا سياسيا من مظاهر سوء الحكم.
2- وجود منظومة قيمية تعكس ثقافة سياسية تسهم في تحجيمالصراعات المحتملة بين كل من الحكام والمحكومين وتحد من استخدام العنف في ظل علاقةتنافسية غير صراعية.
وهنا تجدر الإشارةإلى ما تشهده كثير من دول العالم من تصاعد لحدة المواجهات في ظل تراجع ملحوظ لروحالتسامح وقبول الرأي الأخر يعكس في مجمله أحد أزمات التنمية السياسية في هذهالبلدان.
3- ضرورة مواءمة الهياكلالاجتماعية والسياسية للتغيرات الاقتصادية، بما يجنب النظام التعرض لمزيد من الضغوطوعدم الاستقرار، الذي يمكن أن يمثل عائقا لعملية التحول الديمقراطي.
4- السماح بدور المنظمات المستقلة فيمواجهة الدولة خاصة فيما يتعلق بممارسة القوة السياسية و صياغة وتطبيق السياسات إلىجانب عمليات التجنيد السياسي، حيث يمثل هذا الشرط أساسا سياسيا للتنمية يعكس تفاعلامتوازنا بين كل من الدولة والمجتمع في ظل علاقة تعاونية تسمح للدولة بتنفيذ برامجهاالتنموية والقيام بالتوزيع العادل للموارد والحفاظ عل النظام دون اللجوء إلىالوسائل القهرية.
5- قبول دور للفاعلينالدوليين على كل من الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري.
IIII- الإستراتيجيات التي تحدد ملامح الحكم الراشد:
1- البعد المؤسسي:
حيث يضمن ترسيخ دعائم الإدارة الجيدةلشؤون الدولة والمجتمع و توفر كل من الشفافية و المساءلة تستدعي إرساء دعائم هياكلمؤسسية تتواءم و مرحلة التحول الديمقراطي الذي يرتبط بدوره بالمتغيراتالسابقة.
2- البعد الاقتصادي و تحسينمستوى الأداء:
لا يجوز إغفال أهميةالبعد الاقتصادي، حيث يمثل هذا البعد أحد أهم محاور و آليات حسم الحكم كخطوة علىطريق التحول الديمقراطي، حيث لم يعد الاهتمام محصورا في تحديد مستويات النموالاقتصادي و إنما امتد ليشمل وجوب تحسين مستويات الأداء الاقتصادي لمواجهة مختلفالأزمات و ذلك عبر إصلاحات هيكلية.
3- علاقة الدولة بمؤسسات المجتمع المدني كأحد محاور الحكم الراشد:
تعكـس طبيعة علاقة الدولة بمؤسساتالمجتمع المدني أحـد أهم محاور حسن الحكم بحيث اعتبر التأكد على فعاليـة
مؤسسات هذاالمجتمع في مواجهة الدولة أحد الشروط الأساسية للتنمية. فالمجال الاجتماعي المستقلعن الدولة الذي يؤكد على وجود مجال عام للأنشطة التطوعية للجماعات يتيح قدرا منالتوازن بين طرفي معادلة القوى في ظل خضوع مؤسسات المجتمع المدني للقانون، بما يضمناستقلالها عن أي توجهات أيديولوجية من جانب والارتفاع بمستوى المساءلة من جانبأخر.
4- دو ر الفاعلين الدوليين في دعمالشفافية و المساءلة:
تشيرالإستراتيجيات الحالية للتنمية إلى موقع هام لدور الفاعلين في رسم وتحديد معالمالمسار التنموي، وبطيعة الحال يتضح هذا الدور جليا في دول العالم الثالث من خلالدعم هؤلاء الفاعلين لبعض التوجهات التي تدعم مقولات واليات حسن الحكم بصفة عامة فيهذه الدول، وذلك عبر مساعدات اقتصادية تقدمها الحكومات الأجنبية وبعض الوكالاتالدولية، فالمساعدات الدولية عادة ما توجه على سبيل المثال لحفر التعددية كأحدالأبعاد المؤسسية للتنمية السياسية أو إلى دعم استقلالية المنظمات الشعبية وضمانانسياب المعلومات بما يضمن مزيد من الشفافية والمساءلة.
VI- الحكم الراشد والمسؤولية الإجتماعية للمؤسسات:
يهدف الحكم الراشد إلى تحقيقالاستفادة من السياسات الاجتماعية عبر أسلوب المسؤولية الاجتماعية للمؤسسـات
RSE وكذا خصخصة المصالح العمومية فالمسؤولية الاجتماعية لمؤسسات مستمدة من طابعهاالاختياري المرن والشامل بما يسمح ويشجع كل مؤسسة أيا كان حجم ونطاق أعمالها بأنتنتهج ما تراه مناسبا وملائما من الإجراءات والممارسات وفق إمكاناتها وقدرتهاالمادية وبما يتجاوب مع حقائق السوق ومتطلباته، وهذا الأسلوب رديف للحكم الراشد،وهكذا نجد أن الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة السيد كوفي عنان طرح في إطارالملتقى الاقتصادي في دافوس بسويسرا خلال جانفي 1999، وأمام أعضاء الملتقى ما عرفبشعار " توجيه قوى الأسواق من أجل دعم المثل العالمية "، وبمقتضاه ظهر عهد جديد،وتم الاجماع على ذلك من طرف ممثلي قطاع الأعمال والمال والتجارة في العالم بحيثيقوم على أساس تكريس احترام عناصر المشاريع التجارية لمدونات ثلاث من الصكوكالدولية: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في سنة 1948، إعلان المبادئوالحقوق الأساسية في العمل الصادر عن منظمة العمل الدولية في العام 1998، وإعلانريو الصادر عن مؤتمر الأرض في العام 1991، وتتلخص هذه المبادئ في تسعة عناصرمبدئية رئيسية هي:
1- احترام ودعم حمايةحقوق الإنسان المعلنة عالميا.
2- احترام حقالتنظيم والمفاوضة الجماعية.
3- كفالة عدمضلوع المؤسسات المنضمة إلى الاتفاق العالمي في إنهاك حقوق الإنسان.
4- القضاء على كافة أشكال العمل الجبريوالقهري.
5- القضاء الفعلي على عملالأطفال.
6- القضاء على التمييز بينالاستخدام والمهنة.
7- دعم التدابيرالاحترازية في مواجهة التحديات التي تتعرض لها البيئة.
8- اتخاذ تدابير لتشجيع الإحساس بالمزيد من المسؤولية فيالمجال البيئي.
9- تشجيع تطوير ونشرالتقنيات البيئية غير الضارة بالإنسان.
فيظهر جليا وأن هناك تكاملا بين الحكم الراشد وهذهالمسؤولية، والتي تعرف بأنها الإدماج الطوعي من طرف المؤسسات للإهتمامات الاجتماعيةوالبيئية في أنشطتها التجارية وعلاقاتها مع شركائها، وإن تطوير هذا المفهوم قداستنبط عبر الأخذ بعين الاعتبار لعودة الوعي المتزايد من أن النجاح التجاريالمستديم لم يكن الوصول إليه وفقط عبر تعظيم الربح في الأجل القصير ولكن وكذلك عبرتبني سلوكات مسؤولة.
وإذا ما توسعنا فيالطرح التاريخي لتطوير مفهوم الحكم الراشد، فسنجد أن البنك الدولي عام 1997 وخلالالأزمة الآسيوية يعترف أن السوق لا يمكنها ضمان تخصيص أمثل للموارد وكذلك ضبطالآثار الحساسة للعولمة والكوكبية، وقد توصلنا أخيرا إلى ما يعرف بمذهب الحاكميةالعالمية والذي بمقتضاه يكون هناك افتراض ينطلق من أن التطبيقات التقليدية للحكومةالقائمة على التعاون الدولي بين الدول والأمم لا يسمح أكثر بحلول المشاكل الناجمةعن العولمة، يتعلق الأمر إذن بتعريف هيكل قيم عالمية وكونية والتي تستقي مما يعرفبالممارسات الجيدة سواء على مستوى الأعمال أو على مستوى الحكومات، وكذلك المنظماتالمكلفة بضبط العولمة، لأن هناك من يلقي باللائمة على المنظمات العالمية باستخداممفهوم الحاكمية لمعالجة المسائل السياسية، وهي المسائل التي لا توجد لها في الحقيقةأية وصاية كما أن هناك من ينتقد اللجوء إلى الممارسات الجيدة لأنها لا تعبر عنالحقيقة المراد الوصول إليها.
بناءا على ماسبق ذكره، يمكن القول أن تطور مفهوم الحاكمية والحكم الراشد قد جاء من منبع محيطالمؤسسة الخاصة من حيث أنماط التنسيق والشراكة المختلفة للسوق، ومن محيط المؤسسة تمالاتجاه نحو المحيط السياسي بمعنى تحويل أشكال النشاط العمومي وكذلك العلاقة بينالدولة والسوق والمجتمع المدني.
أزمة الحكمالراشد في المجتمع الدولي: مما لا شك فيه وأن مفهوم الحكم الراشد يقوم على فرضيةأزمة الحاكمية في المجتمع الدولي والتي تتميز بثلاث مظاهر أو لنقل وقفات تكمن فيالتالي ذكره:
1- ليس للسلطات العمومية دومااحتكار للمسؤولية فالحكم الراشد يشكل إجابة ممكنة لأجل إيجاد صيغة توافقية بينالسياسة والاقتصاد والاجتماع عبر اقتراح أشكال جديدة للضبط والتعديل وبالتاليالتصحيح.
2- هناك أعوان من كل طبيعة ومن كلالفئات يطالبون أن يكونوا مشاركين في عملية صنع القرار وهم في نفس الوقت في وضعيةاقتراح حلول جديدة للمشاكل الجماعية، فالحاكمية تضع النقاط على الحروف بخصوص تنقلالمسؤوليات التي تحدث وتتم بين الدولة والمجتمع المدني وكذلكالسوق.
3- أي عون لا يملك لوحده المعارفوالوسائل اللازمة لأجل الحل الانفرادي للمشاكل التي تطرح، فهناك عمليات التقاءومفاوضة أصبحت ضرورية بين المتدخلين حتى وان كانوا متنافرين وغير متجانسين، لأنالحاكمية تستلزم المشاركة والمفاوضة والتنسيق، وعلى هذا الأساس فقد كانت هناكمناظرات بخصوص الحكم الراشد في الألفية الثالثة، فإن التحول الخاص بالاقتصادالكلاسيكي المبني على أساس الطاقة المادة قد اتجه نحو اقتصاد جديد يسير على أساسالطاقة-الإعلام، بحيث يحول ويظهر القيمة المبذولة والمنشأة من طرف المؤسسات، وهناككذلك ضرورة التحكم أكثر فأكثر في التحولات السارية المفعول وكذا القيام بإسراعوالتسريع في الاستلزامات، فهناك مفاهيم جديدة تبدو أكثر من ضرورية وتبعا لمحيطاتو فضاءات أكثر فأكثر تعقيدا إضافة إلى حقيقة غير ملموسة مما يستلزم طرح سؤال محوريكالتالي: كيف يمكن تعظيم قدرات المؤسسات حتى تتمكن من إنتاج أكبر قيمة مضافة ذاتطابع اجتماعي خدمة للاقتصاد والمجتمع والدولة، التي لا يمكن أن تكون إلا قوية تحتكل الظروف؟
VII- مظاهر أزمة الحكم:
لقد بدأت المجتمعات الدولية وخاصةالإفريقية منها والجزائر كبلد إفريقي تهتم بالحكم الراشد على أساس مجموع القواعدالمكتوبة وغير المكتوبة والتي أصبحت الموضوع المحبذ للكثير من الورشات واللقاءاتالعلمية الوطنية والدولية وتجمعات العمل، وقد أصبح الاقتصاد اليوم هو الشغل الشاغللكل النقاشات السياسية ,ويظهر جليا أن الموضوع الذي يجمع بين الحاكمية و الخصخصة وتسيير الإقتصاد بطريقة مقارنة لا يمكن أن يكون أكثر عنصر من العناصر الحالية محلالدراسة، فالخصخصة مثلا وباعتبارها رافد للحكم الراشد ومنذ أكثر من أي وقت مضىكعنصر إزعاج للكثير من الدول وخاصة الإفريقية والآسيوية منها، حتى أن هذا الموضوعكان محرما الكلام عنه في بلد كمصر حتى عام 1992، لكن أصبحت الخصخصة اليوم بمثابةالوصفة السحرية الغير قابلة للالتفاف والدوران ولكل السياسات الرشيدة في المجالالاقتصادي والاجتماعي من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، وقد ذكر الرئيسالنيجيري أوبا سنجو سنة 2004 ما يلي: " نحن في إفريقيا والعالم النامي نتقدم علىطريق الديمقراطية، الحكم الراشد، وأتمنى أن نكون قادرين كذلك على حل وحمايةالمنازعات " من خلال هذا الطرح نلاحظ أن التنمية الإفريقية أصبحت في قلب اهتماماتمسيري وقادة الدول الإفريقية، لأن المحيط أصبح دوما غير مؤكد ويزداد تعقيدا بفضلتعدد المعارف والقدرات والمعلومات التي تجعل من الفرد عاجز لوحده عن التحكم فيالتسيير فيجب الاعتراف أن كل فعل جماعي مهما كان شكله ومجال تدخله وكذا أهدافهيتطلب أن يكون مصمم وبصفة قيادية، فالحكم الراشد رديف للقيادة، وعليه فإن كل منظمةباعتبارها قناة إجراءات ووسائل للنشاط الجماعي مطالبة بأن يكون لها تسيير فعال، فلابد من إرادة في تطوير استراتيجيات المشاركة لإدماج المعنيين بالأمر في إعدادالقرارات في إدماجها في بناء الاختبارات الجماعية.
***************************************************************
مبدأ الفصل بين السلطات
مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية يخدم فكرة التخصص وإرساءسيادة القانون وهو من أهم الشروط لبناء مجتمع ديمقراطيّ حيث يحول الفصل دونجمعها وتركيزها في يد فئة أو مجموعه من الأفراد.
i- السلطة التشريعية: وهي في النظامالديمقراطي سلطة منتخبة مباشرة من الشعب وتعبر عن إرادته، ومهمتها هي سن القوانينوالتشريعات التي تنظم حياة المجتمع. وتسمى بتسميات مختلفة مثل: البرلمان، مجلسالنواب، مجلس الشعب، المجلس التشريعي.. الخ من التسميات التي تختلف من دولة إلىأخرى. وهذه السلطة مهمتها إيجاد ظروف اجتماعية واقتصادية وحضارية تضمن كرامةالإنسان، وتصون حقوقه من خلال القوانين التي تسنها. وعادة يتمتع أعضاء هذه السلطةبالحصانة البرلمانية التي توفر لهم الحماية والحصانة من قمع السلطة التنفيذية.
ii- السلطة التنفيذية: وهي الحكومة وجميع الأجهزة والمؤسسات المتفرعةعنها أو التابعة لها. ومهمتها تنفيذ القوانين والتشريعات التي تشرعها السلطةالتشريعية، وإدارة أمور الدولة والمواطنين وفقها، بحيث توفر الأمن والنظام لكلالمواطنين. وتخضع هذه السلطة في النظام الديمقراطي لرقابة السلطة التشريعية وتكونمسؤولة أمامها عن وضع الخطط والإجراءات الكفيلة بتطبيق القوانين بما يضمن مصلحةالدولة والمواطنين. وهناك عدة أشكال من هذه السلطة التنفيذية. في النظام الرئاسييتم انتخاب الرئيس وهو رئيس السلطة التنفيذية، وبدوره يقوم باختيار وزراء حكومتهوعرضها على السلطة التشريعية لنيل الثقة. بينما في النظام البرلماني يجري تشكيلالوزارة من قبل حزب الأكثرية في البرلمان، أو من خلال ائتلاف مجموعة من الأحزابفيما بينها بحيث تضمن الأكثرية داخل البرلمان.
iii- السلطة القضائية:ومهمتها الأساسية هي الحكم في المنازعات بين مختلف الجهات، وكذلك تفسير القوانينوالحكم فيها وضمان تنفيذها من قبل مختلف الجهات داخل المجتمع. كما تعمل على منعانتهاك حقوق الأفراد من قبل أي أفراد آخرين أو من قبل السلطة التشريعية أوالتنفيذية وتحقيق مبدأ سيادة القانون. وتشمل هذه السلطة جميع أنواع المحاكم فيالدولة مثل محكمة الصلح، البداية، المحاكم المركزية، محاكم الاستئناف، محكمة العدلالعليا. ويتمتع أعضاء هذه السلطة في النظام الديمقراطي بحماية دستورية خوفا منتعرضهم لضغوط ونفوذ السلطات التشريعية أو التنفيذية، ويجب أن يتم حمايتهم من تأثيرأية قوة أو سلطة عدا سلطة القانون.
فصل السلطات يؤدي إلى توزيع الصلاحياتوالأدوار بين هذه السلطات، وذلك يؤدي إلى تسهيل عملية إدارة أمور المجتمع والدولةفي مختلف جوانب الحياة، ضمن إطار الديمقراطية التي تتيح لكل الأفراد والمؤسساتالمشاركة والمساهمة في عملية اتخاذ القرار في كل المجالات، وفي ظل سيادة القانونالذي يخضع له جميع المواطنين على اختلافهم، وهم جميعا متساوون أمامه.
إن فصلالسلطات يؤدي إلى حالة التوازن الضرورية لاستقرار الدولة، وفي نفس الوقت فان ذلك لايعني فصلا تاما
بين السلطات الثلاث، وانما يعني أن هناك تداخلا وتشابكا وتكاملا فيالوظائف والصلاحيات بما يخدم المجتمع والمواطنين ويؤمن لهم مصالحهموحقوقهم.
iiii- أهمية فصل السلطات
إن فصل السلطات يحقق النتائج التالية:
1- التخصص في العمل: حيث تعمل كل سلطة في مجال اختصاصها بما يفتح المجالواسعا إمام إتقان الدور والعمل الذي تقوم به على أحسن وجه لخدمة المجتمع.
2- صيانة حقوق المواطنين وحرياتهم العامة ومنع التعدي عليها وكذلك منعالتفرد والاستبداد.
3- احترام القانون والنظام والحفاظ على سيادته، وتطبيقالقانون بشكل متوازن بحيث يكون الجميع متساوون أمامه.
4- يخلق حالة منالتوازن بين مختلف الفئات في المجتمع.
5- إيجاد حالة من التكامل في ظلتقسيم العمل والتخصص فيه.
6- يوفر حالة من الرقابة على عمل السلطاتوالأجهزة المختلفة في الدولة، وهذا يؤدي باستمرار إلى تطوير وتحسين أداء هذهالسلطات لخدمة المجتمع.
لذلك مبدأ فصل السلطات من أهم دعائم المجتمعالديمقراطي الخاضع لسيادة القانون فقط.
**********************
العولمة والتحديات الثقافي
الثقافة العربية الإسلامية
لقد بدأت الهيمنة الغربية تتفاقم لتطال جميع مجتمعات العالم سواء بواسطة السيطرة المباشرة
والفعل الإلحاقي المتعمد أو بصورة غير مباشرة عبر الروابط الثقافية والاقتصادية حتى وصلت إلى أعلى
أطوارها في الحقبة الراهنة حيث تقلصت المسافات بين أرجاء المعمورة بسبب تطور وسائل الاتصال ومن
ثمة لم يعد أي مكان في العالم بمعزل عن سواه و فقدت من جراء ذلك هذه المجتمعات قدرتها على الانعزال
والحركة المستقلة كليا عن الآخرين
.
ولقد كان الثمن الباهظ لواقع من هذا النوع أن فقدت دول الأطراف القدرة على خلق نهضة تنموية
مستقلة تقود إلى اللحاق بالغرب أو على الأقل تحصين الذات أمام حالة الاستلاب والنهب المتواصلتين
. حالة
التردي هذه تفاقم أمرها بعد فرض دول المركز العولمة الثقافية على دول الأطراف.
و العولمة الثقافية هذه تعني أول ما تعني سلب سيطرة الدول على مجال سيادي هام هو
: المجال
الثقافي، بغية إحداث خلخلة في البنية الثقافية لتلك الدول مما يساعد بطبيعة الحال على نشر ثقافة العولمة، التي
هي السلاح الآخر الذي أخذ تجار العولمة يستخدمونه لامتصاص ثروات الشعوب .
إن عولمة الثقافة تهدف بالدرجة الأولى إلى إقصاء الثقافات الأخرى عن العالمية بحجة تعارضها
وعدم قدرتها على الانسجام مع توجهات الثقافة الغربية المادية، وفي الوقت ذاته القيام بعملية خنق للثقافة
العربية الإسلامية و إيقاف خطرها الزاحف على الغرب
.
إن مصطلح العولمة يثير من الأسئلة أكثر ما يقدم من الأجوبة وهو يحتاج إلى التوقف عند
الأسئلة التي يثيرها لعلها تساعد في تحديد مفاهيمه ومدلولاته، ولتحقيق ذلك كان من الطبيعي لمن يبحث هذا
الموضوع أن يتساءل
: مالعولمة؟ هل هي ظاهرة جديدة مستحدثة أو أنها لفظ جديد للتعبير عن واقع قديم؟
كيف نتعامل مع هذا الواقع ؟ هل نقبل التغيير ونقبل عليه فنتغير معه أو نبقى أنفسنا ونتفتح على الآخرين؟
و من المناسب حين يود المرء أن يتحدث عن الثقافة و العولمة أن يحدد دلالات هذه المصطلحات،
فلعل في ذلك التحديد فائدة تجعله يمضي في الموضوع على بينة مما يريد. ويجعل القارئ أقدر على متابعته
ومساءلته عما ينتهي إليه من آراء وما يخلص إليه من نتائج، وما يقدم من اقتراحات وحلول.
إن صياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو مسألة شاقة نظرا إلى تعدد تعريفاتها والتي تتأثر أساسا
باتجاهات الباحثين و الأحكام التي يتبنونها رفضًا أو قبولا، فضلا عن أن العولمة ظاهرة غير مكتملة الملامح
كما يقول السيد يسين
:" و ذلك عائد إلى تعدد الاتجاهات التي تتنازع الباحثين الذين تناولوا قضايا العولمة
وحاولوا صياغة تعريف لها فمن جهة ليست العولمة نظامًا يعبر عن تطلعات البشر المختلفة، ولا هو موضع
اتفاق على سيادته المستقبلية ومن جهة أخرى تختلف المنطلقات التي تتناول هذه الظاهرة بالتعريف فلكل
باحث وجهة هو موليها"
و العولمة في أصلها اقتصادية،قائمة على إزالة الحواجز والحدود أمام حركة التجارة، لإتاحة حرية
تنقل السلع ورأس المال
.و مع أن الاقتصاد والتجارة مقصودان لذاتهما في العولمة، إلا أنها لا تقتصر عليهما
وحدهما وإنما تتجاوزهما إلى المجال السياسي، الثقافي و الاجتماعي بما تتضمنه من أنماط سلوكية ومذاهب
فكرية و مواقف سياسية، وكل ذلك هو الذي يصوغ هوية الشعوب.
ومن الجدير بالذكر أن استعمال مصطلح العولمة في التداول السياسي قد طرح من قبل العالم
الكندي مارشال ماك لوهان، الذي يعتبر أول من أشار إلى مصطلح العولمة عندما صاغ في نهاية عقد
الستينيات مفهوم القرية الكونية، وقد تبنى هذه الفكرة من بعده الأمريكي بريجنسكي، الذي أشار إلى أن تقدم
أمريكا، التي تمتلك ما يزيد على
65 % من المصادر الإعلامية، يمكن أن يكون نموذجا كونيا للحداثة يروج
للقيم الأمريكية كالحرية وحقوق الإنسان.
انتشر استخدام مصطلح العولمة بعد ذلك في كتابات سياسية و اقتصادية عديدة في العقد الأخير،
وذلك قبل أن يكتسب المصطلح دلالات استراتيجية و ثقافية مهمة من خلال تطورات واقعية عديدة شهدها
العالم منذ أوائل التسعينات
.
من خلال ما تقدم يمكن تقديم مفهوم للعولمة يجمع بين مفهومها وخصائصها على النحو التالي
:" العولمة هي
تلك الحالة أو الظاهرة التي تسود في العالم حاليًا، وتتميز بمجموعة من العلاقات والعوامل والقوى، تتحرك
بسهولة على المستوى الكوني متجاوزة الحدود الجغرافية للدول ويصعب السيطرة عليها، تساندها التزامات
دولية أو دعم قانوني، مستخدمة لآليات متعددة، ومنتجة لآثار ونتائج تتعدى نطاق الدولة الوطنية إلى المستوى
العالمي؛ لتربط العالم في شكل كيان متشابك الأطراف، يطلق عليه القرية الكونية" .
و كما كان هناك اختلاف بين الباحثين في تحديد مفهوم دقيق للعولمة فقد كان هناك أيضا نفس
الاختلاف بالنسبة لتحديد في تحديد مفهوم دقيق للثقافة
الثقافة هي مفهوم شامل معبر عن نظرة الفرد للإنسان والكون والإله وللآخرين من حوله
, ولنمط
الحياة والسلوك والعلاقة بين الدين والدولة والقيم، ولذلك فالثقافة تختلف طبيعتها من حضارة لأخرى حيث
نجد لكل حضارة خصوصيتها الثقافية التي تحدد هويتها سواء من حيث مصدرها ومنبعها أو من حيث غايتها
وهدفها. ولكن العولمة تريد أن تصهر كل الثقافات الموجودة في ثقافة واحدة هي الثقافة الغربية التي تعني
العولمة عندها فرض منظومتها الثقافية والحضارية, وجعل النموذج الغربي هو النموذج العالمي وهذا ما يعني
إذابة الهوية الثقافية للشعوب الأخرى, مستغلة في ذلك التقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات وما ترسله إلينا
عبر الفضائيات من سيل جارف من المواد الإعلامية والتي يعبر عنها الدكتور مصطفى محمود بقوله:"وما
هذه العولمة الثقافية سوى العلف الثقافي الرديء الذي يلقي به الإعلاميون الكبار إلينا, وهذه العولمة هي الاسم
الجديد للاستعمار المهين وغسيل المخ المتواصل الذي كتب علينا أن نعيش فيه".
و هناك نوعان رئيسيان من الثقافة
-
الثقافة السياسية و هي التي تهتم بأمور الناس وقضاياهم المصيرية، وبالذات فيما يرتبط
بالحريات، كحرية الرأي والتصويت أو كحرية الممارسة الدينية وغيرها.
وتنقسم الثقافة وفق مفهومها هذا إلى قسمين
:
- ثقافة تدفع الناس نحو التحرك والانطلاق والسعي الجاد للتغيير و الإصلاح.
- ثقافة تقتل في الناس روح التحدي وتكرس فيهم روح التبعية والخوف و الاعتراف بالأمر الواقع
على مرارته.
-الثقافة الاجتماعية، وهي تتلخص في الأعراف والتقاليد التي يبني عليها المجتمع حياته بما يضمن
سعادته و رقيه في ظل قوانين يتمسك بها الجميع من دون وصاية من أحد، وهناك أيضًا نوعان من الثقافة
الاجتماعية:
- ثقافة تدعو وتحث باتجاه تحكيم القيم والمثل النبيلة كالتعاون والترابط والألفة.
- ثقافة تشد الناس نحو السلبية والتفكك والانعزال وزرع روح الهزيمة في النفوس.
ولكي تكون الثقافة عنصرًا هامًا وبناء لا بد من أن تكون متكاملة بمعنى أن تكون ثقافة سياسية
واجتماعية للعلاقة الجدلية التي تربطهما، وأن تدفع الناس باتجاه القيم السامية وتحرك فيهم روح المسؤولية
والعطاء من أجل تغيير الواقع المتردي، و إصلاحه
: فالإصلاحات الاجتماعية عادة لا تصبح مجدية إلا عندما
تحركها ثقافة صادقة نشطة.
و هذه النظرة القائمة على مبدأ التنوع الثقافي هي اليوم من مبادئ القانون الدولي
: فقد جاء في
المادة الأولى من إعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي، أن لكل ثقافة كرامة وقيمة يجب احترامهما والمحافظة
عليهما، و أن من حق كل شعب وواجبه أن ينمي ثقافته، و أن جميع الثقافات تشكل بما فيها من تنوع خصب،
و تأثير متبادل، جزءا من التراث الذي يشترك في ملكيته البشر جميعا".
و وفقا لمضامين هذا النص، آلا تعد عولمة الثقافة بمفهومها الغربي انتهاكا صريحا لمبادئ القانون
الدولي؟
وكما هو الحال بالنسبة لمفهوم العولمة فليس هناك في الواقع مفهوم محدد لمعنى الثقافة ومن ثمة
فهي تختلف من مفكر إلى آخر
.
وإذا كانت العولمة في معناها البسيط نعني تعميم الشيء وتوسيع دائرته فشأن الثقافة أوغل في هذا
الميدان لأن التأثير الثقافي أسرع من أي تأثير آخر، وذلك بحكم التفاعل مع الغير، ولذا يرى دافيد روتكويف
أن طغيان ثقافة واحدة وعالمية و تهديد ثقافة المرء يصبح تهديدًا لدينه وأسلافه، ومن بعد تهديدًا لجوهر
هويته
.
والعولمة، كما تتبعناها من خلال هذه العجالة وكما هي مطروحة من قبل المتنفذين في دول المركز
وكما تؤكد ذلك دروسها اليومية، المرسلة إلى مختلف جهات المعمورة و خاصة إلى عالمنا العربي الإسلامي،
ليست فتحا إنسانيا مبينا يبشر بمستقبل أفضل للإنسانية جمعاء، لسبب بسيط كون هذه العولمة لم تتم صياغتها
من تلاق متكافئ بين المجتمعات البشرية، و إنما هي تعميم لنموذج وقيم غربية على بقية العالم، لتحقيق رغبة
جامحة للغرب بقيادة أمريكا في السيطرة والتسلط سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق الشركات العابرة
للقارات
. وعلى هذا الأساس تكون العولمة في كثير من جوانبها تمثل خطرا على شعوب العالم وتزداد هذه
الخطورة على المجتمعات العربية الإسلامية. و من أجل مواجهة وضع كهذا يتحتم علينا القيام بحركة نهضوية
حضارية شاملة يكون مرتكزها الأساسي مشروعا ثقافيا قوامه الأصالة والمعاصرة. ولو فعلنا ذلك- ونحن
نملك أسباب القوة والمنعة- لأنقذنا أنفسنا و أنقذنا البشرية وكنا فعلا خلفاء الله في هذه "القرية الكونية".
هل المسؤولون وصناع القرار وكل القوى الحية في أمتنا مستعدون وراغبون في رفع التحدي